قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ليس كلُّ مَن وجد العلم قدر على التعبير عنه والاحتجاج له، فالعلم شيء، وبيانه شيء آخر، والمناظرة عنه وإقامة دليله شيء ثالث، والجواب عن حجة مخالفه شيء رابع». جواب الاعتراضات المصرية (ص٤٤).

قلت: فكيف بمن لم يجد العلم، ولم يقدر على التعبير عنه والاحتجاج له، وعجز عن دفع حجة مخالفه! ثم يتصدر بالتحامي عن مباني أهل السُّنّة!

فيما يخص المناظرة:

1- اختيار موضوع المناظرة: من السَّفه أن تناظر رافضيًا لإثبات الصفات الخبرية التي هي موضع اشتباه ونزاع داخل المنظومة السنية نفسها؛ بينما خصمك متلبّس بمقالات معلوم كفرها بالضرورة من دين الله، كإشراك أئمته بالله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، والإيمان بولاية تكوينية لهم يشاركون اللهَ بموجبها في كل ما هو من خصائصه، ويجزم بوقوع التحريف في القرآن الذي بين أيدينا، وينبذ السنّة النبوية وينزع حجيتها ومرجعيتها ويستبدل طاعة الرسول بطاعة معصومين آخرين عنده، ويكفّر جملة الصحابة والمسلمين، ويقذف أم المؤمنين بالفاحشة، ونحو ذلك مما لا يتنازع المسلمون في كفر قائله والداعي إليه.

ولكن من كان مسكونًا بمقالة الحدادية التي ترى أن مدار خلق العباد على اعتقاد صفات الباري الخبرية؛ فلا غرو أن يجعل هذه المطالب محور حياته وحديثه حتى مع مَن ثبت كفره بيقين! كمن يعتقد أن عليا يخلق مع الله ويرزق الخلائق ويعلم الغيب ويحشر الناس ويحاسبهم!

2- ترتيب الحجج لإثبات المطلوب وإفحام الخصم: من الحذاقة في مسالك الجدل: أن تقدم ما هو أظهر دلالةً على مطلوبك وأخزى لخصمك وأقطع لحجته، ثم تعضد ذلك بما هو أقل ظهورًا ودلالةً من باب حشد كل ما يقوّي حجتك الأولى، على طريقة “اجتماع الجيوش الإسلام لغزو المعطلة والجهمية”.

ومن قلة العقل، إذا كان عندك وفرة في النصوص والحجج، أن تبدأ بما دلالتُه فيها نوع خفاء وغموض، ويحتاج لمقدمات قد لا يفهمها الخصم أو لا يسلّم بها، أو يَرِد عليها اعتراضات، مثل أن تستدل لإثبات أن الله يتكلم بقول إبراهيم عن أصنام قومه: أنها لا تتكلم ولا تجيب، والاستدلال على بطلان ألوهيتها بكونها لا تتكلم ولا تجيب.

فهذا الاستدلال أورده بعض أهل العلم من باب مُلح ولطائف الاستدلال وتعضيد الباب بكل ما يصلح أن يكون حجة، وليس هو استدلال أصيل عندهم لإثبات الكلام ولا عمدة الباب؛ لِما فيه من خفاء والاستدلال بمفهوم المخالفة الذي هو دون دلالة الظاهر ومتنازع في اعتباره؛ لذلك لمّا قال الرافضي لابن شمس مستنكرًا: فإذا نطقت الأصنامُ استحقت العبادة؟! ارتبك وأُسقط في يده!

وعارضه الرافضي أيضًا بما جاء في وصف عجل موسى بأن له خوار، والخوار هو الصوت، فاستدل بثبوت صوته على بطلان ألوهيته، وهذا نظير استدلال ابن شمس ببطلان ألوهية أصنام قوم إبراهيم لخلوها من الكلام، ويلزمه الإجابة عن اعتراض خصمه، وعن معارضته، وإثبات سلامة حجته من الاعتراض والمعارضة جميعًا، وإلا فلا يحصل مطلوبه، وللأسف لم يفعل ابن شمس شيئا من ذلك وحاد عن الإجابة!!

4- تحرير طريقة أهل السنّة في الاستدلال بالعبارات المجملة: تناكد الرافضي كثيرًا على ابن شمس فيما نسبه للسلف من إثبات الحد، كصفة لله. وهذا ثابتٌ عن الإمام أحمد وبعض أهل الحديث قبله كابن المبارك، لكن ابن شمس بدل أن يكشف الإجمال الوارد في الحد، ويجرّده من حمولة أهل الكلام، ويوضح مراد أهل الحديث باستعماله؛ زاده وعورةً وخفاءً!!

وراح يرد على الرافضي بما هو أجنبي عن مضمون الاعتراض! ذلك أنه لم يفهم مراد أهل الحديث بالحد أصلا، وربما صدّق ظن الرافضي بكونهم يثبوته صفةً وجودية! لا أنه أمرٌ اعتباريٌ يقصدون به معناه اللغوي، وهو البينونة عن الخلق والارتفاع عنهم وعدم مخالطتهم، وهذا يقول به جميع الفرق عند المحاققة، لو حقق “مناظر أهل السنّة!!” مقصود أهل السنة به!

4- الاشتغال بالفرع عن الأصل: الرافضة قومٌ لا عقل لهم ولا نقل، وهم في باب الأسماء والصفات على طريقة المعتزلة، وما دام أنك مهمومٌ بهذا الباب وترى أن الانحراف فيه أخطر من انحراف الرافضة في اتخاذ أئمتهم أربابًا من دون الله، فحق المناظرة أن تكون مع معتزلي صرف، لا مع رافضي.

ومع ذلك: كان ينبغي معالجة الأصول التي بنى عليها المعتزلة نفيهم للصفات، ثم التفريع على ذلك، وليس العكس. ومن اشتغل بمناقشة الفروع عن نقض الأصول، فهو كمن يشتغل بزحزحة حجرة عن أصلٍ ثابت!