هذا الرجل يتعامل مع قضية واحدة في الصفات الإلهية كأنها جوهر الإسلام كله، متجاهلًا باقي أبعاد هذا الدين الشامل.
لقد جعل من هذه المسألة شغله الشاغل، حتى بات الدين بالنسبة له مجرد نظرية عقائدية مبنية على إثباتات حرفية لبعض الصفات، تاركًا وراءه المعاني الأسمى للإسلام من عقيدة وشريعة وسلوك.
لقد كان من الواضح أن هذه الرؤية الضيقة قادته إلى تصريحاته الأخيرة، حيث أعلن أن ألمانيا، بتسامحها مع نقاشاته حول هذه المسائل، أفضل من أفغانستان من الناحية الدينية. وهو بذلك يثبت أنه لا يرى في الإسلام إلا تلك الجدالات اللفظية حول الصفات، متجاهلاً كل ما هو أعمق وأشمل في هذا الدين. أفغانستان، بتراثها الإسلامي وتطبيقها للشريعة، لا تعتبر عنده شيئًا ما دام خلافه مع حكومتها يقتصر على تأويل بعض الصفات.
هذه النظرة المحدودة ليست سوى وجه من وجوه “الحدادية”، تلك الفئة التي تجعل من التركيز المفرط على الصفات الإلهية دون سواها هدفها الأسمى. يريدون تحويل الإسلام إلى ديانة نظرية بحتة، يتفاخرون بها في جدالات عقيمة، متجاهلين بذلك التطبيق العملي للدين. هؤلاء، سواء بقصد أو دون قصد، يخدمون خصوم الإسلام الذين يريدون تفريغه من مضمونه الحقيقي.
لقد أصبحت العقيدة عند هؤلاء جدالًا مستمرًا حول مسائل لم تكن في الأصل جوهرية، بل كانت اضطرارية في سياق الرد على انحرافات فكرية. لكنهم، بإصرارهم على استيراد هذه الجدالات إلى زماننا، جعلوا منها مرآة مشوهة للإسلام، وأوقعوا الناس في بحر من النزاعات الفكرية، بينما العقيدة في أصلها هي إيمان وحركة، علم وعمل، ينعكس أثرها في الفرد والمجتمع.
إن العقيدة ليست تاريخًا للجدال الكلامي ولا مجموعة من المسائل التي تنازعت عليها الفرق. بل هي فهم عميق لأسماء الله وصفاته وما تقتضيه من عبادة وسلوك، وحركة دائمة نحو تطبيق هذا الفهم في الواقع. رحم الله من فقه الإسلام كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يغرق في تلك التفاصيل الجدالية، بل استقى من النبع الصافي ما يدفعه لخوض معارك اليوم بما يتناسب مع واقع الأمة وتحدياتها الراهنة.
الأمر المؤسف هو أن الحدادية، بتعصبهم لهذه المسائل النظرية، لم يدركوا أن الإسلام أكبر بكثير من تلك الجدالات. لقد أصبحوا أدوات لشق الصفوف بين المسلمين وزرع الفتنة بينهم، يتفاخرون بتدينهم النظري الذي لا أثر له في الواقع.